الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة فيلم "أڤورا" لعلاء الدين سليم: لا شيء على ما يرام في قرية "أڤورا"

نشر في  15 أفريل 2025  (18:07)

لما يصبح الحلم استحالة، عندما تسري الثعابين في حقول القمح، عندما تستشعر الحيوانات الخطر القادم وتركن للسبات في انتظار قدوم يوم جديد؛ يومها يعمّ الليل على المدينة، تتلاشى آفاقها وينحسر وجودها في مربع اللامعنى.

 يروي فيلم "أڤورا" لعلاء الدين سليم قصّة عودة ثلاثة أشخاص كانوا محسوبين في عداد المفقودين الى القرية. يتسبب رجوعهم في اثارة المخاوف والتساؤلات، فأحدهم امرأة غادرت البلاد على متن قارب وها هي تعود من البحر وجسدها ينزّ بالمياه، والآخر سارح أغنام يعود الى بيته ودماء الجرح الغائر أسفل عنقه مازالت فائرة، وثالثهم عامل بموقع تنقيب يُعثر عليه في حالة ارتعاش غريبة. ينطلق عندها المحقق فتحي (ناجي القنواتي) بمساعدة صديقه الطبيب أيمن (بلال سلاطنية) في محاولة استجلاء اللغز الذي يتخفى وراء ما يحدث بالقرية الى غاية وصول محققين من الفرقة 19 القادمة من العاصمة.

 يبني علاء الدين سليم طرحه السينمائي من خلال هذه القصّة التي تجري حيثياتها في قرية يتحكم في مُجرياتها الامام (نعمان حمدة) والمسؤول الأمني (ناجي القنواتي)، ويُغذيها بما يتجاوز القصّة نفسها معتمدا على قدرات الصورة السينمائية بكل ما يمكن أن تحمله من تركيبات وزوايا تصوير وتعبيرات مختلفة. تبدو هذه الصورة في المجمل وكأنها نتاج لعمل مُؤلف جلس لمكتبه تحت انارة مصباح مائلة للاصفرار، يُقلّب أجزاءه، يُكبّرها، يُعيد تشكيلها وفق وجهة نظر بقدر ما هي مسالمة بقدر ما هي غاضبة.

وقد تكون أوّل ميزات الفيلم وأهمها إعادة ترتيب مكوّنات عالم القرية الصغير بين أربع فئات من الكائنات/الأجساد: "الأناس العاديون"، "العائدون"، "الحيوانات" وما يحسبون أنفسهم "خارقين"، وهي تقسيمات وان كانت تعكس تمثيلات مخصوصة لفئات متعارف عليها، فقد مثّلت أحد تحديات الفيلم الذي سعى لإعادة ترتيبها في "أڤورا" واحدة بعيدا عن كل الصور الجاهزة. اذ قد تأتي الحكمة من الحيوانات، وقد ترتبط الحلول بضرورة الامعان في واقع المغيبين والمهمشين لا في انكار مشاكلهم، وقد تأتي الغرابة والسوء ممن انتظرنا منهم حسن التدبير.

لا يتردد المخرج في افتتاح فيلمه بعالم الحيوان من خلال "شخصيتي" الغراب والكلب التي تتجاذبان أطراف الحديث مشيرتان الى رغبتهما في أنّ يعيش أطفالهما في أحسن حال والى جبن المسؤولين وعدم اقتدارهم. شخصيتان تُلازمان الفيلم الى غاية نهايته شأنهما شأن أجساد "العائدين" الذين انبنت عليهم الحبكة الدرامية للفيلم والذين يرمزون –بأجسادهم المصدومة- لعدد من المشاكل التي يعاني منها المجتمع على غرار الارهاب والهجرة غير النظامية والتهميش من غير أن يغوص الفيلم في أيّة من هذه المواضيع.

فالأجساد التي عانت من الارهاب والأخرى التي اضطرت للمخاطرة بحياتها في البحار والأخرى التي تعجز عن ممارسة حقوقها الدنيا، كلّها أجساد منهكة، محبطة، منسية يعيد الفيلم موقعتها في المشهد بلغة تجمع بين الواقعية والرمزية. أما من يحسبون أنفسهم بالخارقين فهم أولئك الفوقيون الذين أضحوا غير قادرين على أي تدبير بعد أن حسم انبتاتهم عن واقع بلدهم إمكانية أي إضافة يمكن أن يقدموها. يعمل الفيلم على اعادة موقعة كل هذه الكائنات لمحاولة استدرار المعنى في عالم يقوم على الاقصاء والتغييب والتطاول على أبسط الأشياء وأنبلها. 

وفي عملية بنائه الفيلمي، سواء كان ذلك لتدعيم المعنى العام للشريط أو لإضفاء استيتيقا خاصة به، اعتمد سليم على عدد من أساليب اللغة السينمائية مثل التأطير الذي استغله للتعبير عن أهمية بعض الشخصيات -إنسانية أو حيوانية كانت- أو فضاءات القرية (اللقطة التي يظهر فيها وجه المسؤول الأمني او الغراب والكلب واللقطات الواسعة لمكان إخفاء العائدين او الفضاءات الليلية) وحركة الكاميرا التي اخترقت الفضاءات سواء لاستكشاف ما تريد السلط اخفاءه (عندما يسمح ترافلينغ بمشاهدة ما يحدث في غرفة خلفية) او لإبراز مدى سيطرة الخطاب الديني على القرية (لقطة التصوير بواسطة الدرون الذي يبتعد شيئا فشيئا عن الصومعة مُوحيّا بمدى انتشار هذا الخطاب على نواحي القرية) وأيضا التقطيع الذي لجأ اليه المخرج للتعبير عن جملة من المسائل مثل الفوارق الاجتماعية وتوسع رقعة العنف (مثال لقطة يظهر فيها حذاء المحقق فتحي وأخرى لحذاء المحقق عمر، ولقطة الدم القاني الذي يكسي شيئا فشيئا مربعات البلاط).

اما الشكل الكتابي الذي برز على عدد من المشاهد، فقد مثّل دعامة نصيّة للقطات الحوارية بين الكلب والغراب بصفة خاصة، كما اضفى بعدا جماليا رقيقا تسللت من خلاله الكلمات لعالم الصورة، هذا دون ان نغفل على الموسيقى التصويرية التي ساهمت بشحنتها الديستوبية المتأتية من عالم مظلم وموبوء في تعزيز المنحى العام للفيلم بما فيه اضطرابات عامة ومن انفراجات صغيرة.

 قد يكون علاء الدين سليم في فيلمه الجديد ساخطا على حالة الهون التي تعاني منها قرية "أڤورا" لكنّ المشهد المجازي الذي تظهر فيه مجموعة من الجِرَاء المتحلّقة حول الكلبة-الأم من أجل شيء من الحليب يعكس دون شك تعلقا بأمل قادم وفي جيل جديد قد ينجح في تغيير واقعه الى الأفضل.

شيراز بن مراد

-يُعرض فيلم "أڤورا" في قاعات السينما بداية من يوم الاربعاء 16 افريل

-الفريق الفني: ناجي القنواتي: فتحي - بلال سلاطنية: أمين - مجد مستورة: عمر- سنية زرق عيونه: الدكتورة العيونيري- فتحي العكاري: عبد السلام- سليم الذيب: جلال

-الفريق التقني: كتابة وتركيب وإخراج:  علاء الدين سليم -إنتاج:  علاء الدين سليم (أڨزيت للإنتاج) و Julie Viez (Cinénovo-المنتج المنفذ: شوقي كنيس- مدير الانتاج: عصام صالح-  ديكور: مالك قناوي- مساعد المخرج: يوسف الوسلاتي  -مهندس الصوت:  منصف الطالب  -مركب الصوت: Ellingher Bruno –ميكساج: Xavier Thieulin -مدير ما بعد الانتاج: محمد صحبي كريم -موســيقى: أنــس عيســاوي، غســان بــن ابراهيــم، رامــي هرّابــي واســماعيل الأســود